الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
اسمه ونسبته وكنيته
عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَهُ أَبِي النَّجُودِ الأسَدِيّ مولاهم الكُوفِيُّ
وأما بَهْدَلَهُ فقال الذهبي: هو أبوه على الصحيح [معرفة القراء الكبار ص88].
وَكُنْيَتُهُ : أَبُو بَكْرٍ
صفاته ومكانته وعلمه مامة
كَانَ عَالِمًا بِالسُّنَّةِ، لُغَوَيًّا، نَحْوِيًّا ، فَقِيها .
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: (عاصم بن بهدلة صاحب سنة وقراءة ، كان رأسا في القرآن).
كان عابداً خيراً كثير الصلاة. قد جمع إلى عنايته بالقرآن الكريم وتعليمه كثرة الطاعة والإقبال على العبادة بمحبة وشوق إليها، يجد أنسه وراحته في مناجاة ربه وتذلـله بين يديه والمكث طويلاً في بيوته المساجد التي هي أحب البقاع إليه جل وعلا، ضارياً بذلك القدوة الحسنة لطلابه وتلاميذه حيث يقرن أمامهم بين القول والعمل، وفي ذلك التربية الصادقة والتوجيه الحسن لهم، يقول أبو بكر شعبة بن عياش - أحد تلاميذه - (وكان عاصم إذا صلى ينتصب كأنه عود، وكان يكون يوم الجمعة في المسجد إلى العصر، وكان عابداً خيراً يصلي أبداً، ربما أتى حاجة، فإذا رأى مسجداً، قال: (مِل بنا فإن حاجتنا لا تفوت)، ثم يدخل فيصلي).
كان حسن الخلق وكريم الشمائل وذا نسك وأدب. مما يدل على ذالك ما قاله أبو بكر شعبة بن عياش:
(كان عاصم نحوياً فصيحاً إذا تكلم، مشهور الكلام، وكان هو والأعمش وأبو حصين الأسدي لا يبصرون، جاء رجل يوماً يقود عاصماً فوقع وقعة شديدة فما نهره ولا قال له شيئاً).
وقال سلمة بن عاصم: (كان عاصم بن أبي النجود ذا نسك وأدب وفصاحة وصوت حسن)
حاله مع القرآن حاصة
وَعَاصِمٌ هُوَ الإِمَامُ الَّذِي انتَهَتْ إِلَيْهِ مَشْيَحَةُ الإِقْرَاءِ بِالكُوفَةِ بَعْدَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، فجلس في موضعه بعد موته.
وَرَحَلَ إِلَيْهِ النَّاسُ لِلْقِرَاءَةِ مِن شَتَّى الْآفَاقِ، وهو أَحَدُ القُرَّاءِ السَّبْعَةِ.
جَمَعَ بَيْنَ الفَصَاحَةِ وَالتَّجْوِيدِ، وَالإِتقَانِ وَالتَّحْرِيرِ، وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتًا بِالقُرْآنِ .
قَالَ أَبُو بَكْرِ ابْنُ عَيَّاشٍ - وَهُوَ شُعْبَةُ - : لَا أَحْصِي مَا سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ السُّبَيْعِيَّ يَقُولُ : (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَقْرَأَ لِلْقُرْآنِ مِنْ عَاصِمِ بْنِ أبي النجود).
وقال: (كان عاصم من أفصح الناس، مقدما في زمانه، مشهوراً بالفصاحة، معروفا بالإتقان).
وَقَالَ: (قَالَ لِي عَاصِمٌ : مَرِضتُّ سَنَتَيْنِ، فَلَمَّا قُمْتُ قَرَأْتُ القُرْآنَ فَمَا أَخْطَأْتُ حَرْفًا).
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ قَالَ : (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَط أَفْصَحَ مِنْ عَاصِمٍ) .
وقد كان من حرص عاصم بن أبي النجود على تعليم القرآن أنه لا يخص به أحداً دون أحد، بل يشمل من رغب تعلمه ويراعي حاله ويعينه على نفسه.
شيوخه في القراءة
لقي عاصم بعض صحابة رسول الله ﷺ وأخذ عنهم، فهو من صغار التابعين
وَقَرَأَ عَاصِمٌ عَلَى : أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ السُّلَمِيِّ الضَّرِيرِ ، وَعَلَى أَبِي مَرْيَمَ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ بْنِ حُبَاشَةَ الأَسَدِيِّ، وَعَلَى أَبِي عَمْرٍو سَعْدِ بْنِ إِلْيَاسَ الشَّيْبَانِيِّ . وَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَقَرَأَ زِرٌّ وَالسُّلَمِيُّ أَيْضًا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب . وَقَرَأَ السُّلَمِيُّ أَيْضًا عَلَى أَبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ ، وَأَبَيُّ ، وَزَيْدٌ ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قال أبو بكر بن عياش : قال لي عاصم: ما أقرأني أحد حرفًا إلا أبو عبد الرحمن السلمي، وكان أبو عبد الرحمن قد قرأ على علي رضي الله تعالى عنه، وكنتُ أرجع من عند أبي عبد الرحمن فأعرض على زر بن حبيش، وكان زر قد قرأ على عبد الله بن مسعود رضي اللَّهُ عَنْهُ. قال أبو بكر بن عياش فقلت لعاصم : لقد استوثقت لنفسك، أخذت القراءة من وجهين، قال: أجل.
وقال حفص بن سليمان قال لي عاصم: ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأتُ بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضى اللهُ عَنْهُ ، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنتُ أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
رواة القراءة عنه
وَرَوَى القِرَاءَةَ عَنْهُ : حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأَبُو بَكْرٍ شُعْبَةُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَهُمَا أَشْهَرُ الرُّوَاةِ عَنْهُ ، وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ الأَعْمَشِ، وَأَبُو المُنذِرِ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَسَهْلُ بْنُ شُعَيْبٍ، وَشَيْبَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَخَلْقٌ لَّا يُحْصَوْنَ . وأبرزهم: أبو بكر بن عياش وحفص بن سليمان، والأعمش
وَرَوَى عَنْهُ حُرُوفًا مِّنَ القُرْآنِ : أَبُو عَمْرِو بْنُ العَلَاءِ، وَالخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الفراهيدي، وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وغيرهم.
منزلته في علم الحديث
ولم تكن منزلة عاصم بن أبي النجود في علم الرواية والحديث كمنزلته في إقراء القرآن وقراءته، وإن كان حديثه مخرج في الكتب الستة، وفي الصحيحين متابعة.
قال عنه الإمام أحمد بن حنبل : كان خيرا ثقة، والأعمش أحفظ منه، وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث.
والله أعلم
وفاته
توفي آخر سنة (۱۲۹هـ ) وهو الصحيح كما قال ابن الجزري
واختلف في مكان وفاته، والأكثر أنه توفي في الكوفة
قال أبو بكر بن عياش: دخلت على عاصم وهو في الموت فأغمي عليه، فأفاق، فقرأ : ( ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَتْهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَسِينَ ) [الأنعام : ٦٢]. يُحَقِّقُهَا كَأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ تَجْوِيدَ الْقُرْآنِ صَارَ فِيهِ سَجِيَّةً
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أهم المراجع:
- معرفة القراء الكبار للذهبي
- ترجمة القراء العشر ورواتهم المشهورين لـطه فارس
- حال السلف مع القرآن لـبدر بن ناصر البدر
- تاريخ القراء العشرة لـعبد الفتاح القاضي
كتبه الفقير إلى الله: براسيتيو أبو كتب
8 شعبان 1445
0 komentar:
Posting Komentar