الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
رجل سافر بالطائرة وهو يلبس الكفين بسبب ما. عندما أراد أن يتوضأ للصلاة جاء إلى الحمام. لما وصل إلى الحمام لا يوجد مكان للوضوء …. فهل عليه نزع الكفين (وفيه مشقة) أو له أن يمسح خفيه بدلا من غسل الرجلين؟
اقتضت شريعة الله التيسير والتخفيف عن المكلفين الذين يشق عليهم نزع الخف وغسل الرجلين، خاصة في أوقات البرد الشديد وفي السفر، وما يصاحبه من الاستعجال ومواصلة السير، ومن هنا جاء المسح على الخفين.
معنى المسح على الخفين
المسح هو إمرارُ اليدِ المبتلَّةِ بلا تسييلٍ ( معجم التعريفات للجرجاني صـ ١٧٨)
الخف هو مَا يلبس فِي الرجل من جلد رَقِيق ( المعجم الوسيط صـ ٢٥٦ )
أدلة مشروعيته
المسح على الخفين جاءت نصوص السنة بجوازه، ولم يخالف في حكمه إلا الشيعة الجعفرية، ومن هنا ذكره بعض العلماء في كتب العقيدة، قال الطحاوي في وصفه لعقيدة السلف: ويرون المسح على الخفين.
من أدلة مشروعيته:
قول الله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) سورة المائدة: ٦، فعلى قراءة الجر يتناول المسح في الآية الرأس والرجل، وهذه قراءة متواترة.
عن المغيرة بن شعبة انه قال : كنت مع النبي ﷺ في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال: «دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين»، فمسح عليهما. رواه البخاري ٢٠٣ ومسلم ٢٧٤
وعن جرير بن عبد الله البجلي عنه : أنه بال ثم توضأ ومسح على خفيه، فقيل له: أتفعل هذا ؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله ﷺ بال ثم توضأ ومسح على خفيه. رواه النسائي ٢٤ وابن ماجه ٥٤٣
ولقد روى مشروعية المسح على الخفين أكثر من ثمانين صحابيا. قال الإمام أحمد - رحمه الله -: «ليس في قلبي من المسح شيء؛ فيه أربعون حديثا عن النبي. المغني ١:٣٦٠
شروط المسح على الخفين
هناك شروط اتفق عليها الفقهاء وشروط اختلفوا فيها، وسنقوم - إن شاء الله - ببيان هذه الشروط مع بيان الراجح مما اختلف فيه الفقهاء.
أولاً : الشروط المتفق عليها :
۱ - لبس الخف على طهارة كاملة
لحديث المغيرة بن شعبة المذكور آنفا. والحديث صفوان بن عسال الله قال: (كان رسول الله ﷺ يأمرنا إذا كنا سَفْرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم). رواه النسائي ١٥٨ والترمذي ٩٧ وقال: حسن صحيح
وأيضا اشترط جمهور العلماء أن تكون الطهارة بالماء من وضوء أو غسل لقوله المتفق عليه (إني أدخلتهما طاهرتين)، يدل دلالة واضحة على أن الرجل أدخلها بعد وضوء، فلا علاقة لطهارة التيمم بالمسح على الخفين.
٢ - إمكانية المشي به عرفا:
فإذا كان الخف لا يستمسك على القدم فلا يجوز المسح عليه.
سواء كان ثبت بنفسه أو بشده عليه فلا مانع من المسح عليه ويرون بعض العلماء (وهذا هو اختيار شيخ الإسلام، واختاره الشيخ ابن العثيمين).
۳ - كون الخف طاهرا
فلا يجوز المسح على خف نجس كأن يكون الخف من جلد خنزير مثلا.
ثانيا : الشروط المختلف فيها مع بيان الراجح منها :
۱ - كون الخف ساترا للمحل المفروض غسله في الوضوء
فلا يجوز المسح على خف غير ساتر للكعبين مع القدم، سواء كان ذلك لخفته أو كونه واصفا للبشرة، وهذا هو قول الجمهور، وبه قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، و به أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية.
وذهب بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية واختاره الشيخ ابن العثيمين أنه لا يشترط أن يكون الخف ساترا المحل الفرض لأن النصوص الواردة في المسح جاءت مطلقة، وما ورد مطلقا وجب أن يبقى على إطلاقه، وأيضًا فالصحابة حين كان أكثرهم فقراء، وغالبا الفقراء لا تخلو خفافهم من خروق، ولم يأت عن النبي أنه نبه أصحابه على أن الخف المخروق لا يجوز المسح عليه مع كثرة من يلبس منهم الخفاف المخروقة، من هنا كان اشتراط كون الخف ساترا لمحل الفرض اشتراطا ضعيفًا. والله أعلم
۲ - كون الخف من الجلد
اختلف الفقهاء في هذا الشرط :
فذهب المالكية إلى أنه يشترط لمسح الخف كونه من الجلد،. وذهب الجمهور إلى جواز المسح على الخف المصنوع من الجلد أو غيره، وهذا هو الصحيح وبه أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، واستدلوا على ذلك بحديث المغيرة بن شعبة : (أن النبي توضأ ومسح على الجوربين والنعلين) رواه أحمد ٤:٢٥٢ وأبو داوود ١٥٩ وغيرهما، وأيضًا ثبت عن مجموعة من الصحابة أنهم مسحوا على الجوربين كعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي أمامة وغيرهم.
۳ - كون الخف مباحًا:
وقد اختلف الفقهاء في هذا الشرط :
أ- فذهب المالكية والحنابلة إلى أنه لا يصح المسح على الخف المغصوب أو المسروق أو المتخذ من الحرير.
ب - وذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى جواز المسح على الخف ولو لم يكن مباحًا.
والصحيح هو القول الثاني بأنه لا يشترط كون الخف مباحا، لكن مع ثبوت الإثم على الغاصب والسارق وغيرهم ممن يلبس خفا غير مباح.
كيفية المسح على الخفين
أن يُمر يده من عند أصابع الرجل إلى الساق فقط، وعلى أي كيفية مسح أجزأه ذلك، لكن الأفضل أن يمسح اليمني ثم اليسرى عملا بقول عائشة منها : (كان النبي الله يعجبه التيمن في تنعله وترجله وظهوره وفي شأنه كله) رواه البخاري ١٦٦ ومسلم ٢٦٨.
نواقض المسح على الخفين
١- كل ما ينقض الوضوء ينقض المسح على الخفين.
٢ - وجود موجب الغسل كالجنابة والحيض والنفاس، فإذا وجد أحد هذه الموجبات انتقض المسح على الخفين.
۳ - نزع الخفين أو أحدهما، وهذا محل خلاف بين أهل العلم.
وبالجملة أن الراجح هو انتقاض الوضوء بنزع الخف؛ لأن الوضوء بطل في بعض الأعضاء فبطل في جميعها كما لو أحدث، وهذا هو الأرجح احتياطاً للعبادة، وهو اختيار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية.
٤ - مضي المدة: فمتى مضت مدة المسح - وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر - انتقض المسح على الخفين.
حكم من لبس خفا على خف
إن توضأ ولبس خفا أو جوربا ثم أحدث ثم لبس الخف الآخر لم يجز المسح على الأعلى؛ لأنه لبسه على غير طهارة، بل يمسح على الأسفل.
وإذا مسح الخف الأسفل بعد حدثه ثم لبس الخف أو الجورب الثاني على طهارة مسح، لم يجز المسح على الثاني؛ لأن الممسوح بدل عن غسل ما تحته، والبدل لا يجوز له بدل آخر، بل يمسح على الأسفل؛ لأن الرخصة تعلقت به.
وإن لبس خفا على آخر قبل الحدث ومسح الأعلى ثم نزع الممسوح الأعلى، هل يلزمه خلع الثاني وإعادة الوضوء؟ محل خلاف؛ والصحيح أنه يمسح على الأسفل.
مدة المسح على الخفين
ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى توقيت مدة المسح على الخفين، فهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافرلحديث على بن أبي طالب من قال: (جعل رسول الله ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم) رواه مسلم ٢٧٦.
متى تبدأ مدة المسح ؟
المدة تبدأ من أول مسحة للخف أو الجورب، هذا قول الجمهور وهذا هو الصحيح اختاره الشيخ ابن العثيمين؛ لحديث: (يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثا) رواه مسلم ٢٧٦ وابن خريمة ١٩٤ وللفط له.
بيان بعض متعلقات المسح في السفر
إذا لبس في الحضر ثم سافر قبل أن يحدث، فمسحه مسح مسافر.
إذا لبس في السفر ثم أقام قبل أن يحدث، فمسحه مسح مقيم.
إذا لبس في الحضر فأحدث ثم سافر قبل أن يمسح، فمسحه مسح مسافر.
إذا لبس في الحضر فأحدث ومسح ثم سافر قبل أن تنتهي مدة المسح، أتم مسح مقيم.
إذا لبس في السفر فأحدث ومسح ثم أقام، أتم مسح مقيم إن بقي في المدة شيء.
إذا شك وهو مسافر في ابتداء المسح يعني هل مسح وهو مسافر أم مسح وهو مقيم؟ فإنه يتم مسح مسافر.
حكم من غسل رجله اليمنى ثم أدخلها الخف أو الجورب ثم غسل رجله اليسرى وأدخلها الخف
ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يلبس الخف أو الجورب إلا بعد أن ينتهي من غسل رجله اليسرى، وهذا هو ظاهر حديث المغيرة بن شعبة، وفيه قوله : ( دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ).
هذا القول هو الأول والأحوط، فمن فعل ذلك فينبغي أن ينزع الخف قبل المسح ثم يعيد إدخالها فيه بعد غسل اليسرى، وهذا هو اختيار سماحة الشيخ العلامة ابن باز رحمه الله -
أيهما أفضل المسح أم الغسل ؟
جمهور الفقهاء على أن المسح على الخفين جائز، لكن الغسل أفضل، وعند الحنابلة أن الأفضل المسح على الخفين؛ أخذا بالرخصة، وأن كلا من الغسل والمسح مشروع.
والصحيح أن يقال: إن كان لابسا للخف أو الجورب ونحوه فالمسح في حقه أفضل، وإن كان غير لابس لشيء فالأفضل في حقه الغسل.
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أهم المراجع: الفقه الميسر قسم العبادات للأستاذ عبد الله محمد الطيار, مدار الوطن - الرياض, الطبعة الرابعة 2018 مـ
كتبه الفقير إلى الله: براسيتيو أبو كتب
1 شعبان 1445
0 komentar:
Posting Komentar